شاركنا على صفحاتنا الاجتماعية

لقد اصبح واضحا في عصرنا ان ضغط السكان المتزايد وتقدم الحياة العصرية وتطور الصناعة ادى الى زيادة الاهتمام بالمصادر الأساسية للمعادن والصخور الاقتصادية ومعظم هذه المعادن مختزنة في بلادنا والحمد لله ونسأله سبحانه وتعالى ان يوفقنا الى حسن استخدام هذه الثروات واستغلالها بصورة تساعدنا في مراحل التنمية السريعة التي تمر بها بلادنا.

 الجيويوجيا الإقتصادية والثروات المعدنية في المملكة العربية السعودية

فتح مكة درس عظيم

محمد عبده يماني

في فتح مكة درس عظيم للتواضع النبوي الكريم، فقد ظن أهل مكة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد يدخل عليهم ويبيدهم ويفعل بهم مثل ما فعلوا به، ويذلهم كما فعلوا، ولكنه صلى الله عليه وسلم دخل في تواضع جم لله عز وجل، الذي أعزه، ونصره، ودخلت قريش في دين الله أفواجا، وحقق الله لنبيه صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: "ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين"
ولا شك أن الدرس العظيم هو ذلك التواضع الذي دخل به صلى الله عليه وسلم مكة، وقد كانت الآيات القرآنية تتنزل بعد هجرته تبشره بهذا الفتح: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد}، وحقق الله تعالى له دعاءه عندما خرج مهاجرا من مكة وهو يقول: {رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا} وكان صلى الله عليه وسلم يقول وهو يكسر الأصنام يوم الفتح: {وقل  جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا}.

وكان فتحا بالعفو العام، وفتحا بالتواضع، وكان فتحا للقلوب بالإيمان، وفي سماحة المنتصر، وحقن الدماء، ولقد كان الفتح إعلاء لمعاني الوفاء للبلد والأهل والعشيرة. ومن هنا فإن من ينظر بعمق في تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عند دخوله مكة يحس بأنه علم الدنيا كلها درسا في التواضع إلى يوم القيامة، فقد دخل بهذا الصورة العظيمة من التواضع، ولم يأمر أحد بالقتال، بل نبه الجميع بأن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم، فكان فتحه رحمة وعفوا لأهل مكة، رغم أنه دخلها بجيش لم تشهد له مكة مثيلا من قبل، جيش عظيم قوي يزيد عدده على  عشرة آلاف مقاتل لا قبل لأهل مكة ولا طاقة لهم به، لكنه يقول تلك الكلمات العظيمة: "من دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل داره فهو آمن" وأكرم أبا سفيان فجعل من دخل بيته فهو آمن.
ودخلت جيوش الفتح من جهات كثيرة دون قتال، كما أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن خالد بن الوليد اضطر أن يقاتل الذين قاتلوه، وقتل عددا منهم، حتى تفرقوا أمامه، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أصدر إليه أمره  أن يرفع يديه عن القتل، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته خافضا رأسه، يكاد وجهه الشريف يمس الرحل، شكرا لله على نصره وتأييده وعنايته، لقد دخل دخول نبي كريم رؤوف رحيم، دخول من أرسله الله رحمة للعالمين. ولم يدخل دخول المنتصرين الجبارين الذين يبطشون وينتقمون وينكلون بأعدائهم الذين أخرجوهم من ديارهم وأموالهم وآذوهم وقاتلوهم، بل قابل ذلك بالصفح الجميل، والعفو الرحيم، ولو شاء أن يثأر وينتقم لتساقطت الرؤوس كما يتساقط ورق الخريف، ولسالت الدماء أنهارا. ولكن هذا ليس من طبعه ولا من أخلاقه، ألم يأته ملك الجبال حين أخرجوه وآذوه فعرض عليه أن يطبق عليهم الأخشبين – الجبلين – فقال: "بل أرجو ان يخرج الله من أصلابهم من يقول لا اله الا الله، ثم دخل مكة في حماية المطعم بن عدي.
وها هو ذا اليوم في قمة انتصاره وقدرته، يقطف ثمار صبره وصبر أصحابه وجهادهم، فتحا مبينا، دون علو في الأرض ولا فساد، ولا زهو ولا استكبار، بل في تواضع وتذلل لله وانكسار، ثم قال لهم قولته الخالدة: "اذهبوا فإنتم الطلقاء، وهذا من دلائل نبوته، فإنه لا يستطيع أن يفعل هذا إلا نبي!!.
ورغم ذلك فإنه أمر بقتل نفر لا يجدي معهم غير القتل، من أكابر المجرمين الذين آذوه وآذوا أصحابه، فأمر بقتلهم ولو تعلقوا بأستار الكعبة، وهم ثمانية رجال وجاريتان، ثم عفا بعد ذلك عن ستة منهم تشفع فيهم بعض أقربائهم، ثم أسلموا وحسن إسلامهم، وهم: (عكرمة بن أبي جهل، والحارث بن هشام، وزهير بن أمية، وعبد الله بن سعد ابن عامر، ومولاة لبعض عبد المطلب، وقينة كانت تغني بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم)، فهؤلاء عفا عنهم، وقتل الأربعة الباقين وهم عبد الله بن خطل، كان مسلما فارتد وقتل غلاما مسلما كان يخدمه، والحويرث بن نقيذ كان من أشد قريش أذى للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي نخز البعير بابنتيه فاطمة وأم كلثوم حين خرجتا مهاجرتين فرمى بهما إلى الأرض، ومقيس بن حبابة: كان مسلما ثم ارتد وقتل رجلا من الأنصار لأنه قتل أخاه بطريق الخطأ، وقتلت قينة لعبد الله بن خطل كانت تغني بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء الأربعة فقط هم الذين قتلوا من كبار المجرمين، فاجتمع في الذين عفا عنهم العفو والرحمة وفي الذين قتلوا الحزم والشدة!! وسبق عفوه ورحمته غضبه وانتقامه، وأسرع إليه قومه يدخلون في دين  الله أفواجا، وأصبحوا جند الإسلام بعد أن كانوا أشد أعدائه.
وإذا نظرنا بعمق إلى قصة الفتح نجد أنه جاء بعد صلح الحديبية إذ لم يمض على صلح الحديبية سنتان حتى نقضت قريش عهدها، وأعانت بني بكر على بني خزاعة الذين دخلوا في حلف النبي وعهده، فقتلوا منهم عشرين في ليل وهم لا يشعرون!..فذهب عمرو بن سالم الخزاعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره  بما صنعت قريش وبكر ببني خزاعة  قال له النبي – صلى الله عليه وسلم -: نصرت يا عمرو بن سالم.. ثم تجهز للخروج وخرج من المدينة في رمضان في المهاجرين والأنصار، وأرسل إلى القبائل التي دخلها الإسلام يخبرهم بمسيره، وبالإستعداد للسير معه،  فكانوا كلما مروا بقبيلة إنضم إليهم المسلمون، فلما وصل المسلمون مر الظهران قريبا من مكة  بلغ عدد جيش الفتح عشرة آلاف من الصحابة يريدون فتح مكة.


إسلام أبي سفيان وإكرامه!!

.ذعرت قريش حين علمت بسير النبي - صلى الله عليه وسلم - وأيقنت أنها هي المقصودة بذلك الجيش، وأدركت خطأها في نقض عهد الحديبية، فخرج أبو سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء من مكة ليلا يستطلعون الأخبار، فرأوا نيران جيوش المسلمين تملأ الأرض، فقال أبو سفيان لبديل بن ورقاء: ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا!.
وكان العباس بن عبد المطلب قد خرج إلى المدينة مهاجرا بعياله، فلقي النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الطريق قريبا من مكة، فرجع مع جيش الفتح، وخشي أن يدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - حربا، وأن يقع قتال، فركب بغلة النبي - صلى الله عليه وسلم - وذهب يستطلع، لعله يرى أحدا من قريش فيرسله إليها بخبر الجيش لعلها تفتح مكة سلما، فسمع صوت أبي سفيان فناداه فقال: يا أبا حنظلة.. قال أبو سفيان: مالك فداك أبي وأمي؟ قال: ويحك هذا رسول الله في الناس.. قال أبو سفيان: وما الحيلة؟. قال: والله لئن ظفر بك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضربن عنقك، فاركب في عجز هذه البغلة، حتى آتي بك رسول الله فأستأمنه لك، فكان المسلمون إذا رأوا العباس راكبا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: عم النبي صلى الله عليه وسلم على بغلته فخلوا سبيله!!.
فلما رأى عمر أبا سفيان أسرع إلى  رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد، فدعني فلأضرب عنقه؟!! ولكن نبي الرحمة كان يرى غير هذا، فلم يجبه، فلما وصل العباس بأبي سفيان إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وخشى عليه بأس عمر قال: يا رسول قد أجرته، وقال لعمر مغاضبا: مهلا يا عمر، فو الله لو كان من رجال عدي بن كعب – عشيرة عمر – ما قلت هذا!! ولكنك عرفت أنه من رجال بني عبد مناف!!.
فقال عمر: مهلا يا عباس، فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم!! وإنما قال عمر ذلك لقرابة العباس من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وحبه لآل بيته!!.

وهدأت ثورة الرجلين، وزال الخصام وحل التفاهم والوئام بقول عمر، وسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما رأى وسمع، فلم يعقب عليه بشىء، بل إلتفت لما هو أهم، فقد أينعت الثمرة، فها هو زعيم مكة بين يديه خائفا مستسلما، فقال: ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله؟. قال بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، والله لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئا بعد!!.قال: ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟.قال: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، أما هذه فوالله فإن في النفس منها حتى الآن شيئا!! فقال له العباس: ويحك أسلم وأشهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك!!.ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يمهل أبا سفيان، ويتيح له فرصة للتفكير والتقدير، فأمر عمه العباس أن يذهب بأبي سفيان إلى رحله، وأن يأتيه به من الصباح، فلما أصبح غدا به العباس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسلم وشهد شهادة الحق!!.

عرض الجيش أمام أبي سفيان:ثم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عمه العباس أن يقف بأبي سفيان حتى تمر به كتائب الصحابة فيراها، فمرت كتائب غفار وجهينة ومزينة وسليم وأسلم... حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء، ومعه المهاجرون والأنصار، وهم يلبسون الدروع، فلا يرى منهم إلا عيونهم تبرق، فقال أبو سفيان: سبحان الله يا عباس؛  من هؤلاء؟! قال: هذا رسول الله في المهاجرين والأنصار!! قال أبو سفيان: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة!! والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما!! قال العباس يا أبا سفيان إنها النبوة، قال: نعم!!. كل ذلك ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حريص على أن يدخل مكة مسلما دون قتال، ولقد أعجبه اسلام زعيم قريش، وصاحب الكلمة فيها، فأراد أن يجعل له  شيئا من الفخر، فقال: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن"، فطار أبو سفيان فرحا، وأسرع إلى مكة فصرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فقالوا: وما تغني دارك؟ قال: ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن!! فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد!!.
الفتح النبوي والصفح الجميل:دخلت جيوش الفتح مكة من أقطارها، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم قواد الألوية أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم، فلم يقع إلا قتال يسير، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته، وإنه ليضع رأسه تواضعا لله على ما أكرمه به من الفتح، وخرج  أهل مكة إلى جبل  أبي قبيس، ينظرون الجيوش المظفرة تهز الأرض هزا، وهم في ذهول، لا يكادون يصدقون ما يرون، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد بدأ بالأصنام فحطمها بقضيب كان يشير به إليها، فما أشار لصنم على ظهره إلا وقع على وجهه، وما أشار لصنم على وجهه إلا وقع على ظهره، مع أن هذه الأصنام كانت مثبته إلى الأرض بالحديد والرصاص المذاب!!.
ثم طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت سبعا على راحلته، يستلم الركن بعصاه، ثم دعا عثمان بن طلحة، فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له  فوجدت فيها الصور والأصنام فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فأخرجت وحطمت، وأمر بلالا الحبشي أن يصعد فوق الكعبة فأذن، فارتفع الأذان في المسجد الحرام لأول مرة في التاريخ، بصوت العبد المهاجر الذي كان يصبر على العذاب الشديد، ويتحدى طواغيت قريش وهو يقول أحد أحد!!.
وقفت قريش على جبل ابي قبيس تسمع وترى ما لم يكن يخطر لها على بال، فهذه الأصنام تهوي ذليلة، فلا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا، وهذا صوت بلال يعلن كلمة التوحيد وهى في ذهول، وهذه كتائب الصحابة تدخل مكة فاتحة منتصرة، وتطوف بالبيت خاشعة راضية، فلا تسفك في مكة دماء، ولايقع فيها ثأر ولا إنتقام!!.

لقد صحت قريش من سكرتها، وأيقنت أنها أمام الحقيقة التي طالما بذلت المهج والأموال لئلا تراها، وأيقنت إنها مغلوبة لا محالة، فطمعَتْ أن تنال من محمد وأصحابه عفوا، فنزلت عن الجبال المحيطة بالوادي، وخرجت من بيوتها في يأس صامت، وطرف خاشع حسير، فلم تعد المكابرة تغنيها شيئا، ولم يبق أمامها إلا الإذعان والاستسلام!! فدخلت المسجد ترقب عن قرب، وتنتظر ما سيقول إبنها الأمين في صمت وخوف!!..
ووقف النبي صلى الله عليه وسلم على باب الكعبة فحمد الله حمدا كثيرا، وأثنى عليه ثناء جميلا ثم قال: يا معشر قريش ما ترون إني فاعل بكم؟ قالوا: خيرا، أخ كريم، وابن أخ كريم، قال: إذهبوا فإنتم الطلقاء!!.
أصحيح ما يسمعون؟ أم هم في نوم يحلمون؟ لقد نظر بعضهم إلى بعض وقد زال عنهم يأس قاتل وكرب عظيم!! فقد نالوا من العفو ما لم يكونوا يأملون!!.

الإنقلاب العجيب:

1- إسلام أبي سفيان:
أسلم أبو سفيان يوم الفتح على كره، وسار مع المسلمين مع من سار من أهل مكة إلى حنين يرجو الغنائم، فلما ولى المسلمون الأدبار في حنين قال شامتا: لاتنتهي هزيمتهم دون البحر، فلما فرغ المسلمون من حنين وحاصروا الطائف، أصيبت عينه في حصار ثقيف، فلما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم، أعطى أبا سفيان مائة بعير، وأربعين اوقية من الذهب، فلما رأى ذلك وقع الإسلام في قلبه، وحبب الله اليه رسوله فقال: والله انك لكريم، فداك أبي وأمي، والله لقد حاربتك فنعم المحارب انت، ولقد سالمتك فنعم المسالم أنت، جزاك الله خيرا.
وانتقل أبو سفيان منذ تلك الساعة من التردد في الإسلام إلى الرضى والإذعان، فلما أرسل الصديق جيوشه لفتح الشام، كان أبو سفيان تحت راية إبنه يزيد، ولما قامت معركة اليرموك، وحمي الوطيس وكادت الاقدام تتزلزل، وقف ابوسفيان يحث المقاتلين على الثبات ويقول: الله الله، إنكم أنصار الإسلام، ودارة العرب، وهؤلاء أنصار الشرك، ودارة الروم، اللهم هذا يوم من أيامك، اللهم أنزل نصرك.. وكان يدعو ويقول: يا نصر الله اقترب!!.

وروى ابن سعد عن سعيد بن المسيب عن ابيه قال: فقدت الاصوات يوم اليرموك، الا صوت رجل يقول: يانصر الله اقترب، فاذا هو أبو سفيان تحت راية ابنه يزيد، واصيبت عينه الأخرى يوم اليرموك فأصبح أعمى!!.

وروى له البخاري حديثا  عن ابن عباس أن أبا سفيان أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش كانوا تجارا في الشام، فأتوه في ايلياء وحوله عظماء الروم، فسأل هرقل أبا سفيان عن هذا الذي يزعم أنه نبي، فأجاب عن أسئلته كلها فصدق.. قال هرقل: إن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين،، وقد كنت أعلم أنه خارج، فلم أكن أظن أنه منكم، فلو أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه!!
قال أبو سفيان: فلما قال هرقل ما قال.. وأخرجنا، فقلت لأصحابي:.. إنه يخافه ملك بني الأصفر، فما زلت موقنا أنه سيظهر، حتى أدخل الله على قلبي الإسلام!!
وروى الزبير بن بكار عن أبي الهيثم عمن أخبره أنه سمع أبا سفيان بن حرب يمازح رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بنته أم حبيبة ويقول: والله إن هو إلا أن تركتك فتركتك العرب، وما إنتطحت فيك جماعة ولا ذات قرن، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك ويقول: "أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة"

كان لأبي سفيان منزلة واحترام عند الصحابة لمنزلته من قريش ولأنه كان كبير بني أمية، وكان  عمر يكرمه ويعلي منزلته، فلما كانت خلافة عثمان عظمت منزلته، وكان يحب الرياسة والذكر، وما مات حتى رأى ولديه يزيد ثم معاوية أميرين على الشام.

توفي أبو سفيان بالمدينة سنة إحدى وثلاثين، وقيل بعد ذلك، وكان عمره نحو تسعين سنة رحمه الله ورضي عنه.

2- إسلام فضالة بن عمير: 
كان فضالة بن عمير الليثي شديد العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يقتله وهو يطوف بالكعبة، فلما اقترب منه قال: أفضالة؟ قال: نعم فضالة يا رسول الله؟ قال: ماذا كنت تحدث به نفسك؟ قال: لاشيء، أذكر الله، فضحك صلى الله عليه وسلم، ثم قال: استغفر الله لك – فعلم فضالة أن محمدا قد علم ما في نفسه – فأخذته دهشة ورهبة، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره، ودعا له، فسكن قلبه، فكان فضالة يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إلى منه!!. الا ما أعظمه من حب وما أعجبه من إنقلاب، وما أعظمها من رحمة أودعها الله تعالى قلب رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين!!

2- إسلام صفوان بن أمية:
كان صفوان بن أمية شديد العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأى دخول جيوش الفتح خرج إلى جدة يريد أن يركب البحر إلى اليمن، فجاء عمير بن وهب فقال: يا رسول الله، صفوان بن أميه سيد قومه، قد خرج هاربا منك إلى اليمن. فقال صلى الله عليه وسلم: هو آمن، قال: فأعطني علامة يعرف بها أمانك، فأعطاه عمامته التي دخل بها مكة، فلحق عمير صفوان إلى جدة فرآه يريد أن يركب السفينة فقال: يا صفوان: الله الله في نفسك أن تهلكها، فهذا أمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جئتك به، فلم يصدق صفوان فقال: ويحك أغرب عني فلا تكلمني. قال عمير: أي صفوان.. أفضل الناس، وأبر الناس، وأحلم الناس، إبن عمك عزه عزك، وشرفه شرفك، وملكه ملكك.. فرجع صفوان حتى أتى رسوله الله صلى الله عيه وسلم فقال: إن هذا يزعم أنك أمنتني؟! قال: صدق. قال: فاجعلني فيه في الخيار شهرين قال: أنت فيه بالخيار أربعة أشهر، ثم ما لبثت فاخته بنت الوليد أن جاءت بزوجها صفوان بعد ذلك فأسلم وحسن إسلامه!!.

3- إسلام عكرمة بن أبي جهل 
كان عكرمة بن أبي جهل للإسلام مناوئا، وله محاربا، وقد شهد بدرا وما بعدها مع قومه وكان على يقين أنه لن ينال عفو النبي صلى الله عليه وسلم، ولن ينجو من سيوف المسلمين لو ظفروا به، فولى هاربا إلى اليمن، فلما رأت زوجته أم حكيم بنت الحارث بن هشام عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن أمثاله أتته فاستأمنت له من النبي صلى الله عليه وسلم فأمنه فلحقت به إلى اليمن، فجاءت به فأسلم وحسن إسلامه.
عرف النبي صلى الله عليه وسلم لعكرمة صدق إسلامه، وعلو منزلته في قريش، فرحمه وأعلى قدره، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يسبوا أباه وقال: لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات، وقد إعتذر عكرمة عن نفسه، وما كان منه، وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستغفر له فأستغفر، فقال والله لا أدع نفقة كنت أنفقها في صد عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله، ولا قتالا قاتلته إلا قاتلت ضعفه.

ولقد بر وأوفى، فلم يأل في نصرة الإسلام، ولم يبخل بنفس ولا مال، فلما كانت حروب الردة أرسله أبو بكر قائدا على جيش إلى مسيلمة الكذاب في اليمامة، ثم أرسله إلى اليمن، فلما ذهبت الجيوش لفتح الشام، كان عكرمة في صفوف المجاهدين، فلما كانت اليرموك جعله خالد بن الوليد قائدا على أحد الكراديس، فلما اشتدت المعركة وزلزلت الأقدام نزل عن فرسه، وقال: قاتلت رسول الله في كل موطن، وأفر منكم اليوم!! ثم نادى: من يبايع على الموت، فبايعه أربعمائة من وجوه المسلمين وفرسانهم، منهم الحارث بن هشام، وضرار بن الأزور، فقاتلوا أمام فسطاط خالد، حتى أثبتتهم الجراح، فاستشهد أكثرهم، وأتي خالد بعكرمة جريحا فوضع رأسه على فخذه،، وبعمرو بن عكرمة فوضع رأسه على ساقه، وأخذ يقطر في حلوقهما الماء ويقول: زعم ابن أبي الحنتمة  انا لا نستشهد!!، ووجد به بضع وسبعون ما بين ضربة وطعنة، واستشهد معه سهيل بن عمر، والحارث بن هشام، وقد تدافع هؤلاء الماء وهم يجودون بأرواحهم، في موقف عجيب.
طلب عكرمة الماء فرأى سهيلا ينظر إليه فقال للساقي: إدفعه إليه، فلما أرادا سهيل أن يشرب، رأى الحارث بن هشام ينظر إليه من العطش، فقال: إدفعه إليه، فلما ذهب إليه وجده قد مات، فرجع إلى عكرمة فوجده قد مات، فرجع إلى سهيل فوجده قد مات.وكلام سيدنا خالد عن استشهاد عكرمة يريد ان يقول ان سيدنا عمر يرى انهم لايستشهدون، ولكن هذه بسالتهم وضراوتهم وقدراتهم الحربية ومهاراتهم.  
وبعد.. فانظر كيف هدى الله تعالى أبا سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وفضالة بن عمير، وعشرات آخرين من زعماء قريش وأبناء زعمائها وكبرائها مع قريش وأحابيشها، فإذا هم صحابة كرام يقاتلون في سبيل الله، بعد أن قاتلوا في سبيل الطاغوت دهرا طويلا!!.
 فسبحان من أرسل محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، وأمره بالصبر والحلم والعفو حتى فتح الله به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، فأصبحوا بفضل الله ورحمته من الصحابة الأبرار الفائزين!!.
وختاما فقد كانت هذه لمحات موجزة عن قصة الفتح العظيم ما أحرانا أن نقف عندها نتعلمها ونعلمها لأولادنا.
والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.

الخوف من الفجوة
تهاويل
بيوتنا والحاجة الى الحب