شاركنا على صفحاتنا الاجتماعية

(لا شك أن حقل الإعلام بما يتضمنه من فنون وتقنيات عديدة يتطلب تنمية مهارات وقدرات من يشتغلون به، ورعاية المبدعين منهم فضلا عن ضرورة توفير التعليم الأساسي في كليات ومعاهد إعلام متطورة، تدرس المناهج العلمية لهذا المجال وفق احدث الإتجاهات)

 أحاديث في الاعلام

الملك.. والفاتيكان.. ومستقبل الزمان

محمد عبده يماني 

لقد وفق الله خادم الحرمين الشريفين إلى زيارة تاريخية للفاتيكان كأول ملك من ملوك المملكة العربية السعودية يدخل الفاتيكان، وقد كانت بحق زيارة لها دلالاتها، ولها أهميتها، لما يمثله الفاتيكان بالنسبة للديانة المسيحية، وما تجسده زيارة ملك المملكة العربية السعودية خادم الحرمين الشريفين الذي يمثل مسجدين أساسيين يعتز بخدمتهما، ويفخر بأن يكون خادما لهما.
وإذا نظرنا بعمق إلى كلمة خادم الحرمين في الفاتيكان نجد أنها جاءت كتعبير صريح وكلمة صادقة بأن الإسلام والذي بعث به خاتم الأنبياء والمرسلين يحترم كل الديانات السماوية، ويأمر اتباعه بالإيمان بالله وكتبه ورسله، ومن هنا فهو دين سلام من رب العالمين، ونبيه صلى الله عليه وسلم رحمة لكل العالمين، مسلمهم ومسيحيهم ويهوديهم، ولكل مخلوق خلقه الله عز وجل.
وكان صلى الله عليه وسلم يحترم اهل الديانات الأخرى، ويأمر اتباعه باحترامهم وعدم التعدي عليهم او اكراههم على الدخول في الإسلام، وجاء النص القرآني الصريح : {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .
وكلمة خادم الحرمين الشريفين عندما نناقش مضمونها نجدها قد ركزت على أن كل الأديان السماوية تحث على الاحسان إلى الآخرين ولو تمسك اصحابها بمبادئ دياناتهم وما أمر به الله جل جلاله فسوف يكون العالم خاليًا من النزاعات وعدم السلام والإستقرار في العالم أجمع.
وعندما ننظر إلى موقف الفاتيكان والذي عبر عنه البابا في كلمته بأنه يحترم الدين الإسلامي، ويحترم المملكة العربية السعودية، وهذا الملك الذي وافق على زيارة الفاتيكان  وقبل دعوته، نجد أنه موقف مشجع ومحترم، يدعو إلى التفاؤل بمستقبل أفضل من العلاقات في هذا المضمار، وقد جاء تصرف خادم الحرمين إمتدادا لمواقف من سبقه من إخوانه الذين حرصوا في سياسة المملكة على احترام الديانات الأخرى، وبعثوا برسائل ووفود تبادلت مع رجال الفاتيكان الحوار والحديث، وكانت أحاديث ودية، وفي مناسبات مختلفة، بل بعثوا وفودا رسمية لمقابلة البابا السابق بولس السادس عشر ورجال الفاتيكان، وتشرفت بأنني كنت أحد أعضاء هذا الوفد الذي كان يرأسه صاحب الفضيلة معالي الشيخ محمد الحركان، وضم صفوة من العلماء والمفكرين، واتجهنا إلى المراكز الكنسية الأخرى في ستتراتسبورج، وجنيف، ورحبوا جميعا بنا، وقال يومها البابا في كلمته الترحيبية بالوفد: 
"نحن نعرف إنكم تحملون مسؤولية رفيعة دينية وقضائية وثقافية تنهضون بها في وطنكم مهد الإسلام ومستودع الكثير من القيم الروحية
ونحن ننوه بفائدة إقامتكم القصيرة في روما ولاشك إنها تظهر للعالم أن المسلمين والمسيحيين يتواصلون إلى أن يفهم بعضهم بعضا، بفهم افضل وأن يتجاوبوا بمحبة  اكثر ولا يمكننا إلا أن نغتبط بذلك 
إن هذه الندوات واللقاءات مع إجتنابها العمل على توحيد المذاهب لعدم مناسبتها تساعد في توجيه القوى الروحية وتلاقيها شيئا فشيئا وإننا نشعر جميعا في عصر الماديات المكتسحة الظالمة بحاجتنا الملحة إلى تأدية الشهادة لله العلي القدير الرحمن الرحيم الذي يحيطنا دائما بفضلة وكرمه"

وكان هناك باستمرار نداء متبادل يدعو إلى أهمية الحوار بين ديانات العالم المختلفة، وبصورة خاصة بين الإسلام والمسيحية، وجرت لقاءات، وجرت محاورات وحوارات وبكل أسف كانت النتائج ضعيفة ولا تتفق مع المستوى الذي كان يأمله العقلاء من مثل هذه اللقاءات والحوارات، وربما يكون مرجع ذلك من ناحيتنا كمسلمين كما يقول الشيخ عبد الله بن بية: إلى ان الوفود الإسلامية التي تذهب للحوار مع الفاتيكان أو الكنائس في الغرب لم تجتمع قبل إجراء هذه الحوارات، ولا تتفق على رؤية محددة للحوار، بل قد يناقض بعضنا البعض، ففي لقاء لندن الأخير وجدنا من جاء من المسلمين من هم أصحاب رؤى وأفكار تستعدى الغرب علينا وعلى الإسلام.
ومن هنا فإن زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للفاتيكان تعتبر نقطة مهمة في تاريخ الحوار الإسلامي المسيحي، وتسمح بفتح مجالات جديدة للإعلام عن الإسلام في الغرب، ولا شك أن حديث خادم الحرمين فيه قد جاء صريحا وواضحا، واستفاد من هذه الفرصة التاريخية ليعلن موقف الإسلام الصريح واحترامه لكل الأديان، وأكد خادم الحرمين في كلمة القاها في حفل العشاء على أهمية البدء بحوار حضاري يقضي على الأفكار الشرييرة، ويعيد للإنسانية الأمل في مستقبل مشرق إن شاء الله. 
ولقد فرحنا بتعليق العقلاء من المفكرين والمحللين ورجال الإعلام على هذه الزيارة، التي شكلت تجربة روحية قوية، وشهدوا جميعا أن اللقاء جاء في وقته المناسب للمساهمة في تبديد الصورة السوداء التى إنتشرت في الغرب عن الإسلام عموما، وعن المملكة العربية السعودية بصورة خاصة  وركزوا على ان الزيارة جاءت فرصة طيبة لكي توضح موقف الأغلبية العقلانية الوسطية المستنيرة، وهذا ما حصل مؤخرا، علما بأن هذه الزيارة قد سبقتها وثيقة وقعها اكثر من 138 شخصية من علماء الأمة وتألفت من تسع وعشرين صفحة تحت عنوان: ( تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ) وهي موجهة إلى البابا شخصيا وبقية رؤساء الطوائف الروحية المسيحية في الغرب والشرق.
ولقد كان خادم الحرمين صريحا عندما أوضح وركز على اهمية الحوار بين الأديان والحضارات لتعزيز التسامح الذي تحث عليه جميع الأديان، ويحقق الأمن والسلام والاستقرار، وقال: "إن العنف والإرهاب لا دين له، ولا أرض، وعلى جميع الدول وامؤمنين بالسلام التكاتف والتصدي لهذه الظاهرة والقضاء عليها"

لقد أدى الرجل مسؤليته،وكان شجاعا وصريحا، وكسب إحترام القوم الذين أدركوا سلامة توجهه، وصدق عباراته التي تدعو إلى سلام دائم بين الأديان السماوية: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}  .. لقد ذهب الرجل يحمل إيمانا صادقا ورغبة أكيدة في حوار بناء، وتحرك وتكلم بإيمان المؤمن، وبصفاء القلب المسلم، وجعل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القدوة والأسوة الذي علم اتباعه، وعلم العالم كله أهمية حفظ كرامة الآخرين، وإحترام الأنبياء والمرسلين، ولو لم يكن في هذا اللقاء من فوائد إلا إزالة تلك العقد القديمة، ,الأفكار المظلمة عن الإسلام والمسلمين لكفى، لإثبات عدم تعصب المسلمين، وإنهم صادقون في الحوار، راغبون فيه بأمر الله عز وجل، الذي أكد على الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، وأنه الدين الوسط.
ولهذا فأنا ممن يعتقدون بأن الزيارة قد نجحت، وفتحت الحوار بين العقلاء من الطرفين، ولعلها أزالت الكثير من العراقيل، وأفهمت الجميع بأن التعاون هو الطريق وليس الرغبة في القضاء على الآخر، وانه من العبث والمخالفة لتعاليم الله عز وجل خالقنا جميعا ان بفكر أي طرف في القضاء على الآخر، بل من الواجب التعايش مع الحضارات والحوار بالتي هي أحسن.
ولا شك أن العالم بأسره كان يتطلع إلى هذا الحوار، وجاءت بعض ردود الفعل الايجابية عندما وجه العديد من العلماء المسيحيين، وأعلنوا أهمية التقارب بين المسلمين والمسيحيين وقدموا إعتذارا وقعه 300 رجل دين مسيحي عن الحروب الصليبية، وما شهده العقد الماضي من نتائج الحرب على الإرهاب التي اضرت بالمسلمين، وتسببت بآثام وخسائر بشرية وعقائدية، وطلبوا المغفرة من الله والصفح من الأمة الإسلامية عما مضى من ظلم وتشويه لعقيدة الإسلام.
وختاما.. فلا بد أن نشكر الله على ما تحقق، ونقول أنها كانت زيارة موفقة وفاعلة  ومن المهم مواصلة هذا الحوار حتى تتحقق الأهداف التي نرجوها لخير الإنسانية جمعاء  وعلى جامعاتنا وعلمائنا ورجال الفكر لدينا أن يمدوا أيديهم بعطاء جديد نحو إستمرار هذا الحوار حتى يتحقق ما نصبو اليه جميعا من جعل كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى، وقبل أن ننهي الحديث نود أن نقول أننا لا بد أن ندعو إلى نظرة لمستقبل العلاقات بين المسلمين وبين المسيحيين بصورة عامة، وبين المملكة والفاتيكان بصورة خاصة، فما هي معطيات هذا المستقبل، وما الذي يجب الإعداد له، وما هي النتائج المرجوة، وسنحاول إلقاء الضوء عليه في حلقة قادمة إن شاء الله.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل،،،

الخوف من الفجوة
تهاويل
بيوتنا والحاجة الى الحب