شاركنا على صفحاتنا الاجتماعية

(تمثل الحرية والإحترام ركيزتين أسايتين في كافة مراحل العمل الإعلامي وعلى اختلاف صوره.. ولا يتصور أن يحرز هذا الميدان تقدّماً وانطلاقاً بدون توافر مقومات الحرية بمفهومها الصحيح).

 أحاديث في الاعلام

تأدبوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (2 ـ 12 )

محمد عبده يماني 

الحمد لله الذي اكرمنا بالاسلام  وبعث الينا خير الأنام ، وكرمه وأكرمه وأدبه ورفع شأنه وختم به الرسالات السماوية وأمرنا باتباعه والسير على هداه ، والتأدب معه وان لانرفع اصواتنا فوق صوته : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ[1]

                                                                    أدب الصحابة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم

لقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم القدوة والأسوة في التأدب مع النبي الكريم والرسول العظيم عليه افضل الصلاة والتسليم ، وهذا ابوبكر الصديق رضي الله عنه الذي صدقه ، وصدّقه في كل ماقال وما فعل ، وفداه بنفسه وأحبه وتأدب معه ، ولاشك ان قصة الغار عندما بدأ الهجرة عليه الصلاة والسلام وانطلق الى غار ثور كانت نموذجا لذلك الأدب لسيدنا ابي بكر الصديق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يفديه بنفسه فيدخل الى الغار قبله ، ويتحمل كل اذى في سبيله ، وكذلك كانت سيرة وتصرفات خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ، ولاشك ان قصة المرأة الدينارية التي فقدت اباها وزوجها وأخاها في معركة احد وهي تنادي اخبروني عن سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ان تسأل عن أي احد من اهلها خير دليل على حب الصحابة وأدبهم الشديد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال ابن اسحق : حدثني عبد الواحد بن أبي عون عن اسماعيل بن محمد عن سعد بن أبي وقاص ، قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار ، وقد اصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد ، فلما نعوا لها ، قالت : فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا خيرا يا أم فلان ، هو بحمد الله كما تحبين ، قالت : أرونيه حتى أنظر اليه ؟ قال : فأشير لها اليه ، حتى اذا رأته قالت :  ( كل مصيبة بعدك جلل ! ) أي صغيرة .[2] 

وقد كان من أدب الصحابة مع نبيهم صلى الله عليه وسلم ما يدهش  الألباب ، نذكر من ذلك نبذا :

نزوله صلى الله عليه وسلم في بيت ابي ايوب الانصاري وشيء من ادبه في ذلك :

" قال ابو أيوب : لما  نزل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي نزل في السفل ، وأنا وأم أيوب في العلو . فقلت له : يانبي الله ، بأبي أنت وأمي ، إني لأكره وأعظم ان أكون فوقك وتكون تحتي ، فاظهر أنت فكن في العلو ، وننـزل نحن ونكون في السفل . فقال : " يا أبا أيوب أن أرفق بنا وبمن يغشانا ان نكون في سفل البيت ". قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفله ، وكنا فوق في المسكن ، فلقد انكسر حب ( الجرّة) لنا فيه ماء ، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا ، ما لنا لحاف غيرها ننشف بها الماء تخوفا ان يقطر على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيء فيؤذيه

قال : وكنا نصنع له العشاء ثم نبعث به إليه ، فإذا رد إلينا فضله تيممت أنا وأم ايوب موضع يده فأكلنا نبتغي بذلك البركة ، حتى بعثنا إليه ليلة بعشائه ، وقد جعلنا له فيه بصلا وثوما ، فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم أر ليده فيه أثرا. قال : فجئته فزعا ، فقلت يارسول الله بأبي انت وأمي ، رددت عشاءك ، ولم أر فيه موضع يدك ، وكنت إذا رددته علينا تيممت أنا وأم ايوب موضع يدك نبتغي بذلك البركة ، قال : اني وجدت فيه ريح هذه الشجرة ، وأنا رجل اناجي ، فأما أنتم فكلوه ، قال : فأكلناه ، ولم نصنع له تلك الشجرة بعد"(1) 

زيد بن الدثنة وقول ابي سفيان له عند قتله :

            وهذه صورة من صور حب الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهذا زيد ابن الدثنة عندما قدموه ليقتلوه ، اقترب منه أبو سفيان وقال له : انشدك الله يازيد ، اتحب ان محمدا الآن في مكانك تضرب عنقه وانك في اهلك ؟ قال : والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه واني جالس في أهلي .

قال أبو سفيان : ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا . 

            وقول خبيب عندما قدم للقتل ونادوه يناشدونه : أتحب أن محمدا مكانك ؟ قال: لا والله العظيم ما أحب أن يفديني بشوكة يشاكها في قدمه " (1) .

وهذان موقفان عظيمان نابعان من الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

سعد بن معاذ و العريش في غزوة بدر وصور من حب الصحابة وخشيتهم عليه :

وفي سند ابن إسحق عن عبد الله بن ابي بكر رضي الله عنهما أن سعد بن معاذ رضي الله عنه قال : يانبي الله ألا نبني لك عريشا تكون فيه ونعد عندك ركائبك ثم نلقى عدونا ، فان أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا ، وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا ، فقد تخلفت عنك أقوام ، ما نحن بأشد حبا لك منهم ، ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك ، يمنعك الله بهم يناصحونك ويجاهدون معك . فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير ، ثم بُنِيَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش كان فيه . (1) فهذا الموقف  العظيم يدل على أدب الصحابة وحبهم لرسول ا لله صلى الله عليه وسلم ويعلمنا كيف يكون الحب لهذا النبي الكريم والرسول العظيم عليه أفضل الصلاة والسلام.

توقيره وهيبته :

ومن توقير  الصحابة رضوان الله عليهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما اخرجه الترمذي عن أنس رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج على اصحابه من المهاجرين والانصار وهم جلوس ، فيهم ابو بكر وعمر رضي الله عنهما فلا يرفع أحد منهم إليه بصره الا ابو بكر وعمر فإنهما كانا ينظران إليه وينظر إليهما ، ويبتسمان إليه ويبتسم إليهما " (1)

وأخرج الطبراني وابن حبان في صحيحه عن اسامة بن شريك رضي الله عنه قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسنا الطير ، ما يتكلم منا متكلم اذ جاءه ناس فقالوا : من أحب عباد الله إلى الله تعالى ؟ قال : " أحسنهم خلقا " (2) وقال ورواته محتج بهم في الصحيح : فأنت ترى ان الصحابة يهابون أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانوا ينتظرون ان يأتي اعرابي فيسأل ، فيسرون بذلك .

وفي صلح الحديبية عند البخاري وغيره عن المسور بن مخرمة ومروان ، قالا : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية ، وساقا الحديث حتى بلغا : ثم إن عروة رضي الله عنه جعل يرمق أصحاب  النبي صلى الله عليه وسلم بعينيه قال : فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم ، فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يحدون إليه النظر تعظيما له . فرجع عروة إلى اصحابه فقال : أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي ، والله ما رأيت ملكا قط يعظمه اصحابه مثل ما يعظم أصحاب محمد محمدا صلى الله عليه وسلم"(2)

وهذه بريرة لما أعتقت أصبح لها الخيار أن تبقى عند مغيث أو تتركه ، وكان مغيث يتبعها ويسألها ان تبقى معه ، ولما كلم مغيث رسول  الله صلى الله عليه وسلم ان يكلمها ، فكلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت رضي الله عنها : أتأمر أمرا ام تشفع شفاعة ؟ قال : أشفع شفاعة . قالت : لاحاجة لي فيه.. ولو أمرها لأطاعت. وروى بما انها ردت شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم انعكس الأمر فصارت فيما بعد تحب رجوعها اليه ويأباها هو .

من معجزاته في تكثير الطعام :

وهذه زوجة جابر عندما دعا جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسـول الله عندنا صاع من شعير طحناه وعجناه ، وعندنا عناق ذبحناه وطبخناه ، هلم أنت ونفر معك  فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي يا أهل الخندق إن جابرا صنع لكم طعاما  فحي هلا بكم فذهبوا إلى بيت جابر وكانوا ألفا كما في الصحيحين.

وقال صلى الله عليه وسلم لجابر لا تخبزن عجينكم حتى أجيء ، ولا ُتنـّزلن برمتكم حتى أجيء.

اطلعت زوجة جابر من سطح البيت فرأت الجيش مقبلا ، فقالت: واسوأتاه  وا فضيحتاه ! ولما جاء جابر قالت : كيت وكيت . فقال : لقد قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فقالت رضي الله عنها. ماذا قلت له ؟ قال : قلت له عندنا صاع من شعير طحناه وعجناه ، وعندنا عناق ذبحناه وطبخناه ، فهلم انت ونفر معك . قالت : ماذا فعل ؟ قال: أمر مناديا ان ينادي يا أهل الخندق إن جابرا صنع لكم طعاما فحي هلا بكم. قالت: إذن يدبرنا الله  .

انظر أدبها رضي الله عنها ووقوفها عند كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.

ولما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم تفل بالعجين وبارك وقال : ادعي خابزة أو خابزتين معك ، وتفل بالبرمة وبارك ( أي دعا بالبركة ) .

تقول زوجة جابر : لقد أكلوا جميعا : وإن برمتنا لتغط كما هي ، وإن عجيننا ليخبز كما هو " (1)

لا خيرة في طاعة أمره :

وهذا موقف السيدة زينب بنت جحش عندما خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة وهي من سادات قريش وابنةعمته ، وزيد من الموالي . ولما علمت ان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بهذا سلمت واستسلمت: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله  أمرا ان يكون لهم الخيرة من أمرهم}[3]. اذا فالأمر بالنسبة لأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم طاعة وتسليم ، وليس للمؤمن ولا للمؤمنة أي خيرة بعد أمر النبي صلى الله عليه وسلم .

توقير حديثه :

وقد كان سيدنا مالك بن أنس عالم  المدينة الذي قيل فيه : لا يفتى  ومالك في  المدينة والذي انطبق عليه الحديث توشك أن تضرب أكباد الإبل فلا يجدون إلا عالم المدينة ، إذا اراد ان يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ ويغتسل ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه ، ويجلس على ركبتيه كجلسة الصلاة ويبقى على هذه الصورة حتى ينتهي  المجلس[4]

وقد نقل إنه لدغته عقرب عدة لدغات ولم يغير مجلسه أدبا مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم[5].

عدم التعجيل في معرفة الأحكام :

ومن الأدب معه صلى الله عليه وسلم ما ذكرناه في المقدمة و في أوائل سورة الحجرات: {يا أيها الذين امنوا لاتقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم}.

ينادي الله المؤمنين بهذا النداء الحبيب وهو النداء بصفة الايمان التي تلزمهم الطاعة والامتثال: .. لا تقدموا بين يدي  الله ورسوله.. قال قتادة: ذكر لنا ان قوما كانوا يقولون: لو أنزل في كذا وكذا، لو صح كذا، فكره الله تعالى ذلك.

وقال مجاهد في تفسيرها: لاتفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقضي الله تعالى على لسإنه.. ذكره البخاري، أي: لاتتعجلوا بالاحكام قبل ان تسمعوا حكم الله ورسوله.

وقال الضحاك: لاتقضوا امرا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال بعضهم: لاتأمروا حتى يأمر، ولاتنهوا حتى ينهى.

وجوه الأدب معه

 احترام هديه وعدم التقدم أمام سنته[6]:

فكما أنه لا يجوز ان يتقدم أحد بين يديه بأمر أو نهى  ،فكذلك لا يجوز التقدم بين يدي سنته كالتقدم بين يديه في حياته لافرق بينهما عند كل ذي عقل.. فسنته مقدمه على القياس والاجتهاد، ولا اجتهاد فيما ورد فيه نص من الكتاب والسنة ، وينطبق هذا على كل قانون يسن مخالف لنص الكتاب والسنة ، وكل تشريع يعارض تشريعه، والمسلم لايقيم وزنا لأي قانون أو تشريع يخالف ما شرعه الله وسنه رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولايطيع في ذلك أحدا كائنا من كان، لإنه لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق .

وهذا الأدب اصل من اصول التشريع والعمل، راجع إلى الاعتقاد الجازم بأن الله سميع بصير لاتخفى عليه خافية ، وعليم بمصالح عباده لايفوت عليهم منها مصلحة في دين أو دنيا، فان  فوت عليهم مصلحة قريبة فليحقق من ورائها مصلحة اعم واعظم.

 غض الصوت عنده:

ومن الأدب معه صلى الله عليه وسلم ان لا ترفع الأصوات فوق صوته وان لاينادى باسمه وأن لا يجهر له بالقول كما يخاطب الناس قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي ولاتجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ان تحبط اعمالكم وانتم لاتشعرون}. 

وقد ازداد الصحابة بعد سماع هذه الآية الكريمة ادبا مع جلال الله عز وجل، ومع مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يعد أحد منهم يقترح على الله ورسوله، ولم يعد منهم أحد يدلي برأيه الا ان يطلب ذلك منه، ولم يعد أحد منهم يقضي برأيه في أمر أو حكم الا ان يرجع إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد بلغ من ادبهم أنه كان يسألهم عن اليوم الذي هم فيه، وعن المكان الذي هم فيه، وعن الشهر الذي هم فيه فيتحرجون عن الاجابة خشية ان يتقدموا بين يدي الله ورسوله، وإليك هذا المشهد العظيم حيا مؤثرا:

 

جاء في حديث ابي بكرة نفيع بن الحارث - رضي الله عنه - ان النبي صلى الله عليه وسلم سأل في حجة الوداع: أي شهر هذا؟ قلنا الله ورسوله اعلم.. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.. فقال اليس ذا الحجة؟ قلنا: بلى.. قال: أي بلد هذا؟ قلنا الله ورسوله اعلم.. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.. فقال: أليس البلد الحرام؟  قلنا بلى.. قال: فأي يوم هذا؟ قلنا الله ورسوله اعلم.. فسكت حتى ظننا إنه سيسميه بغير اسمه.. فقال: اليس يوم النحر قلنا بلى قال فان دماءكم واموالكم واعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا ، في شهركم هذا .. الا هل بلغت .. الا هل بلغت . قالوا : نعم . فقال : اللهم اشهد " [7] 

وكان من ادبهم معه وتوقيرهم اياه ظهور ذلك التوقير في نبرات أصواتهم.. ويعرف منه شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، ويميز مجلسه فيهم.

وفي قوله تعالى: {أن تحبط اعمالكم} غاية التحذير والتخويف، ولو لم يكن الامر على درجة كبيرة من الاهمية ما حذر الله المخالفين عنه بحبوط العمل، مع ان الوقوع فيه غالبا ما يكون عن غفلة وبغير علم ودونما شعور: {وانتم لاتشعرون}. 

وكان من نتائج هذه التربية الربانية ان ابا بكر رضي الله عنه قال بعد نزول هذه الايات: "والله لا أكلمك إلا كأخي السرار" [8]وكذلك كان عمر رضي الله عنه، وكذلك سائر الصحابة رضوان الله عليم أجمعين.

لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم متأدبين بهذا الأدب قبل ان تنزل الايات الكريمة بذلك، وكان نزولها بسبب ما وقع من بعض الاعراب حين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام التاسع للهجرة بعد فتح مكة يريدون الدخول في الاسلام فنادوا من وراء الحجرات وكرروا النداء: يا محمد اخرج الينا.. فكره النبي صلى الله عليه وسلم هذه اللهجة وهذا الازعاج فأنزل الله تعالى: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات اكثرهم لايعقلون . ولو انهم صبروا حتى تخرج اليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم }. 

وقد اثنى الله على الصحابة بما كانوا عليه من الأدب الكريم فقال فيهم: {ان الذين يغضون اصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة واجر عظيم.} فالتقوى هبة عظيمة يضعها الله في قلوب مَنْ يعلم فيهم الصدق والاخلاص والاهلية، وقد جعل الذين يغضون أصواتهم عند رسوله من هؤلاء فبشرهم بالمغفرة والاجر العظيم، فانظر كيف جاء هذا الترغيب العميق بعد ذلك التحذير الشديد. 

وليس هذا الأدب مقصورا عليه في حياته، بل هو مطلوب بعد وفاته عند ذكره وعند دخول مسجده وعند زيارته والسلام عليه صلى اله عليه وسلم . 

روى عن امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه رأى رجلا يرفع صوته في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: اتدري اين انت؟ ثم ساله من أين انت؟ فقال: من الطائف فقال عمر: لو كنت من اهل المدينة لأوجعتك ضربا. 

وهذه صورة من صور الحب والاحترام لرسول الله صلى الله عليه وسلم عبر عنها هذا الصحابي الجليل والخليفة الراشد عمر بن الخطاب وهي تؤكد ذلك التوجيه العظيم من الله عز وجل وتسير على هداه عندما علّمنا ان لانرفع اصواتنا فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم وان نتأدب معه في كل احوالنا .


[1] الحجرات/2

[2] سيرة ابن هشام

(1) سيرة ابن هشام وقد رواه الحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي الا إنه لم يذكر : فكنا نصنع له طعأما ..الخ .

(1) حياة الصحابة 2:301، قصة زيد بن الدثنة في صحيح البخاري ، ,قول ابي سفيان في سيرة ابن هشام والسيرة النبوية لابن كثير ، وأنظر فتح الباري ج7ص 384 لقول خبيب.

(1) حياة الصحابة ص 29 البداية ج3 ص 268

(1) كذا في الشفاء للقاضي عياض ج2 : 33

(2) كذا في الترغيب ج4:187

(2) صحيح البخاري ، حياة الصحابة ج2: 305، 306

(1) مختصر من البخاري

[3] الأحزاب

[4] الجامع لأخلاق الراوي ج1ص406

[5] الشفا للقاضي عياض

[6] المراد بالسنة الحديث الشريف

[7] متفق عليه

[8] صحيح البخاري

الخوف من الفجوة
تهاويل
بيوتنا والحاجة الى الحب