شاركنا على صفحاتنا الاجتماعية

انه رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة ، بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، وجاهد في سبيل الله حتى اتاه اليقين ، وكان صلى الله عليه وسلم لا يقول الا صدقا ، ولا يفعل الا معروفا ، خلقه سهل ، مع هيبة قوية ، وطبيعة رحيمة ، وهو الرحمة المهداة الى هذه الأمة فالحمد لله رب العالمين على هذه النعمة العظيمة

 بأبي انت وأمي يارسول الله

الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ونصلي ونسلم على المعلم الأول سيدنا محمد خير من تعلم وأصدق من أعلم عن الله عز وجل، ولقد اطلعت على كتاب أخي الدكتور محمد عبدالله السلومي (القطاع الثالث والفرص السانحة رؤية مستقبلية) وأشكره على إتاحة الفرصة لي للتقديم لهذا الكتاب، فهو كتاب جاد ناقش المؤلف في ثناياه قضية حيوية تتعلق بقطاع مهم من قطاعات مجتمعنا الإسلامي، ألا وهو قطاع العمل الخيري الإنساني، هذا القطاع الذي يستطيع القارئ من خلال هذا السفر أن يخلص إلى أهميته، وأنه أحد الركائز المهمة التي حفظت للمجتمع الإسلامي تماسكه وثباته عبر العصور، فقد بين المؤلف أن الإسلام أوجد في مجتمعاته آليات ووسائل تقوم على مبادرات فردية، مبعثها التكاليف الشرعية التي ضمنت لها البقاء والاستمرار والنهوض كلما تعثرت، وأن هذا القطاع الخير هو الذي حفظ للمسلمين دينهم وهويتهم وقيمهم ومثلهم العليا، حتى في أشد الظروف صعوبة وأكثرها قساوة.


ومن ينظر بعمق إلى أهمية دور العمل الخيري في الإسلام وليس القطاع الثالث فقط يلاحظ أن المبدأ الإسلامي الأساسي هو أن كل المال الذي يصل إلى يد المسلم والمسلمة هو مال الله عز وجل، والإنسان إنما هو مستخلف فيه: )آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ( [الحديد : 7]. وهذا في أساس الشريعة الإسلامية، والمنهج القويم هو أن الإنسان مكلف بدور أساسي يُسهم فيه مسيرة المجتمع وتنميته لأنه إنما هو مستخلف في هذا المال، ويدعو للإنفاق والدعم، خاصة في إطار الفقر والجوع والتنمية الاجتماعية وهذا ما دعانا إليه رسول الله .


ومن هنا ندرك أنا المسألة ليست مسألة زكاة أو صدقة عابرة، بل إن دور القطاع الثالث في المنهج الإسلامي دور أساسي بتوجيه رباني حتى إنه جعل من ينفق أي شيء في سبيل الله فإن الله سبحانه وتعالى هو الذي يخلفه عليه، وجاءت الآية واضحة )وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ( [سبأ : 39]، وجعل مسالة التعاون قضية أساسية: )وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى( [المائدة : 2]، ومن ينظر إلى السيرة النبوية يلاحظ أن النبي r أكد على هذه القيم، وفرح باستجابة الصحابة رضي الله عنهم حتى قال عن سيدنا عثمان: ((ما ضرَّ عثمان ما فعل بعد اليوم)) وهو قد ساهم من ماله وليس من زكاة، وإنما قصد بها وجه الله عز وجل، حتى إن العمل والمساهمة ولو لم تكن مادية فإنها تأخذ بيد الإنسان إلى الجنة، فقد ثبت في الصحيح عن النبي r أن امرأة بغي من بغايا بني إسرائيل غفر الله لها في كلب رأته عطشان فسقته، وأخبر عليه الصلاة والسلام عن ((امرأة دخلت النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض)) حتى إن المساهمة في القطاع الثالث حث عليها الإسلام، وكما رأينا في تاريخنا الإسلامي قصصاً عن رجال من القطاع الثالث يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.


ومن ينظر في موضوع الوقف الإسلامي عبر التاريخ يجد تلك القصص المشرفة لرجال ونساء أوقفوا الأموال الطائلة في سبيل أهداف نبيلة لخدمة دينهم ومواطنيهم وعون الفقراء والمساكين، ودعم مدارس العلم والإنفاق على طلابه وعلى طباعة الكتب اللازمة لتكون في خدمة الأمة الإسلامية، وتشجيع العلماء ودعمهم ورعايتهم، حتى إنني قد رأيت بنفسي صكاً عند قاضٍ من قضاة مكة يوضح أنه كان بمكة وقفٌ لإطعام الكلاب الضالة، ووقف عين زبيدة وأمثاله شاهد من هذه الشواهد في أنحاء العالم الإسلامي وأوقاف أخرى لأهداف مماثلة ولا شك أن ما فعله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز من إيقاف مجموعة من الأوقاف على المسجد الحرام والمسجد النبوي لَـهُوَ من الأمثلة الواضحة التي تُذكر بما فعله المسلمون طوال هذه المسيرة الإسلامية، والتي يتضح من خلالها مجموعة من الأدوار التي قام بها القطاع الثالث.


ومن هنا نحس بأهمية الموضوع الذي تعرض له أخي الدكتور محمد السلومي فقد ألقى الضوء على هذه الآليات والوسائل الخيرية التي أخذت بيد الأمة وقفزت بها حتى أصبحت واقعاً ملموساً، وتعرض للعديد منها كفريضة الزكاة وما ينتج عنها من تكافل اجتماعي أسس لعلاقات رفيعة بين الفقراء والأغنياء وسد جوع الفقراء وساهم في تدوير تجارة الأموال ومفهوم التراحم وما ينتج عنه من الترابط الأسري الذي هو لبنة أساسية لبناء مجتمع قوي متماسك، والصدقة وما يثمر عنها من تزكية النفس وتوطيد أواصر المحبة والتعاطف والتكافل بين جميع أفراد المجتمع.
ويأخذ المؤلف بيد القارئ في أسلوب مركز هادف وسلس لتعريفه بخاصية مهمة من خصائص الدين الإسلامي، ألا وهي تركيز الإسلام على استقرار مجتمعاته وأنه استطاع أن يجعل القطاع مساهماً كبيراً وشريكاً دائماً في عمليات التنمية فحفظ الأمة الإسلامية لفترة طويلة جداً على مر العصور بالرغم من الغزو الذي تعرض له العالم الإسلامي على يد التتار وعلى يد الأوروبيين إلا أن الأمة الإسلامية استطاعت أن تظل متماسكة محتفظة بكل مقوماتها بما استمدته من عوامل قوة من قطاعاتها الخيرية.


وسرني صراحة الأخ الدكتور محمد السلومي في نقده لتلك الأنظمة الغربية التي نقلت عن العالم الإسلامي مفهوم القطاع الثالث الخيري وقامت بتطبيقه في مجتمعاتها بوصفه قطاعاً ثالثاً له أهميته وتأثيره لكون قوةً داعمة لاستقرار مجتمعاتها ونمائها، ولكنها للأسف الشديد لم تنصف الإسلام، بل انقلبت عليه وحاربته، وخاصة بعد سقوط الشيوعية وظهور القطب الأحادي، فبدلت تلك الدول من إستراتيجيتها العسكرية فأظهرت مصطلح العدو الأخضر (المسلمين) بدلاً من العدو الأحمر (الشيوعية) وتمادت في ظلمها للمسلمين، فقاد كل ذلك إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي أعقبتها أحداث ومتغيرات، وحرباً على ما أسموه بالإرهاب لها دوافعها الخفية وإستراتيجياتها لإضعاف المسلمين من خلال اختراق قطاعها الخيري (القطاع الثالث) الذي تستمد المجتمعات الإسلامية قوتها منه.

فرأينا خلال هذه الهجمة الشرسة مؤسسات إسلامية خيرة تغلق، وأرصدة لرجال أعمال تُجمد لمجرد حرصهم على المساهمة في الأعمال الخيرية التي يحثهم عليها دينهم والواجب الإنساني، حتى أصبح المسلم اليوم يجد صعوبة بالغة في تحويل حتى المبالغ الشخصية البسيطة بل حتى منع المسلمون من دفع الزكاة لإخوانهم المحتاجين، إلا بعد المرور بنظام شديد معرقل للمحاسبة والمراقبة عُطِّـلَ من خلاله العمل الخيري الإسلامي بغالبية مؤسساته وأدواته وهو ما أسموه بــ(تجفيف منابع الإرهاب ومصادر تمويله)، وبسيطرة مدروسة وهيمنة واسعة على كثير من الحكومات الإسلامية بممارسة مختلف الضغوط عليها لتحقيق هذا الهدف، وما هو في الواقع إلا مؤامرة مدروسة لإبقاء الدول الإسلامية ضمن دائرة التخلف والفقر حتى لا تقوم لها قائمة، وقد استطاعت هذه الحملات أن تهمش القطاع الخيري في العالمين العربي والإسلامي وتحجيمه بشكل مريع وجعلته أول مرة في تاريخه محل شبهات وشك عند كثير من أبناء المسلمين وقد نجحوا في ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله.


ولقد سررت بتركيز المؤلف عن طريقة التدخل الغربي ضمن شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان والبيئة النظيفة وأنهم وحدهم يحتكرون تفسير هذه المفاهيم ثم فرضها ووضع أطرها وبعدها الثقافي وبيئتها السياسية، كل ذلك تم خلال فترة الاستعمار المباشر لأكثر البلدان الإسلامية، بل إنهم صادروا الأوقاف كما فعل الإنجليز في فلسطين، وما فعله ويفعله اليهود اليوم، وكان من أخطر الموضوعات أخذ الحكومات العربية أو بعضها بهذه المفاهيم واحتضانها للبيروقراطية الحكومية حتى حجمت العمل الخيري، ونجحوا في صرف الناس الراغبين في العمل الخيري والمانحين له عن طريق الأنظمة الإدراية العقيمة والظالمة فجمدت هذا القطاع أو جعلته يضمحل كما قال المؤلف.


وإنني أضم صوتي لصوت المؤلف في مناشدته للعالم العربي والإسلامي بأنه قد آن الأوان إلى تشمير السواعد وضرورة الخروج من هذا الوضع الذي آلت إليه أوضاعهما من المفهوم المحدود والضعيف لمفهوم القطاع الخيري (الثالث) إلى المفهوم الشامل والكبير للخيرية بوصفه شريكاً في عمليات التنمية خاصة وأنه قد حرص بين هاتين الدفتين على استعراض الفرص السانحة أمام هذا القطاع الحيوي وهي كثيرة مع واقع الطفرة الاقتصادية لكثير من الحكومات الإسلامية على الرغم من الانهيارات العالمية بما لديها من دخول مالية واقتصادية ضخمة يمكن أن تساهم في تنمية الأوقاف وتفعيل الزكاة والشروع في إنشاء ودعم المؤسسات والبرامج الطبية والعلمية والتعليمية والإعلامية لتشكل البنية الرئيسة لإعادة انطلاق مؤسسات القطاع الثالث ولتمنح استثماراتها ومشاريعها وأوقافها قوة اقتصادية وطنية محلية تساهم في استقرار مجتمعاتها ونمائها ورفاها.


إنني أُهنِّــئ الكاتب على نجاحه في طرح أبرز المخاطر والتحديات والتحولات التي تواجهنا ودعوته إلى وقفة فاعلة لإعداد ما يوازيها من دراسات مستقبلية نسترشد بها في كيفية التعامل مع تلك التحديات والتغيرات وإيضاحه أن الحل لكل تلك الأزمات المستقبلة هو العمل بمفهوم (القطاع الثالث) الذي أصبح مؤشراً أساسياً في السلم الحضاري للأمم والمتمم للقطاعين الحكومي والتجاري، كما حرص على أن يتضمن الكتاب تقارير ونتائج دراسات لنخبة واسعة من المختصين بهذا الجانب في العالمين الإسلامي والعربي لتقريب الرؤيا العلمية للبحث.


إنه كتاب حرصت على قراءاته، وأحسست من خلاله أن أخي الدكتور السلومي قد نجح في تأكيد أهمية القطاع الثالث، وأحسست بارتياح كبير لأن كثيراً من الرجال يكتبون بأقلامهم، وبعضهم يكتب بعقله وبقلبه، لكنني عندما نظرت في كتاب أخي الدكتور السلومي فوجدته رجلاً يكتب بعقله وبقلبه، وفي أفكاره جرأة في أسلوبه صراحة وقد ساعد هذا على إبراز كثير من الحقائق بصورة تجعل هذا الكتاب من الكتب التي تستحق أن تُقرأ ومن الكتب التي يجب أن تكون متوفرة في مكتبات الجامعات والمراكز البحثية؛ وذلك لأنه يُلقي الضوء على قضايا مهمة في حياة أمتنا العربية الإسلامية، تساهم في دعم مفاهيم العمل الخيري وتطبيقاته بوصفه جزءًا مهمًا في ميدان الإصلاح السياسي والاجتماعي المنشود لمجتمعاتنا الإسلامية.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
محمد عبده يماني

الخوف من الفجوة
تهاويل
بيوتنا والحاجة الى الحب