شاركنا على صفحاتنا الاجتماعية

لقد مر المذنب هالي بكوكبنا ، ولم نسمع عن الكوارث الكبرى التي كانت متوقعة اثناء مروره ، وهذا يذكرنا بحقيقة هامة وهي ان جميع ما في هذا الكون بيد الله ولا يحدث في كونه الا ما يشاء عز وجل.

 وداعا هالي

دلالات الروافد المحورية في "اليد السفلى"

محمد عبده يماني

مجلة دعوة الحق العدد 209وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية – الرباط _ المغربدكتور محمد عبده يماني، علامة بارزة في الحياة الثقافية بالمملكة العربية السعودية، وذلك أنه  يشرف- حاليا- على دواليب وزارة الإعلام ببلده، من ناحية، كما يساهم في إثراء أنشطة المعرفة، بالكتابة المنزنة في مجالات مختلفة من ساحة الوعي الإنساني، ومنها الميدان القصصي(1).وقبل أن الأمس مضامينه القصصية. أود استكشاف ركائز رؤيته، بغية  النهوض بانسان  العصر.وأنك لواجد الكاتب، حاملا قلمه. لا لتكلف الترف  الفكري والتسلي) أو الانسياق في ( تيار إيديولوجي ما ) بل هو يرفعه إرضاء ( لإلحاح الفكرة) وتلبية عقوبة ( المخاض المعاناة)(2) وتبعا لذلك، تصدر الكتابة، عند الأستاذ يمانى، انبجاسا من معين ( توظيف الكلمة للخير والحق والعدل)(3)ومن ثمة، وإزاء عالم ( ملئ بالتيارات والضلالات، وفيه ما فيه من بصيص خير، ولكن ماديات الحياة تطغى عليه وتدفع بالحياة الإنسانية إلى ألوان مختلفة من الشقاء)(4) يبين النور، نور الكلمة المسؤولة. فتوجه الهمة نحو المساهمة ( في تخفيف آلام الإنسانية بتقديم المثل الطيب الصادق  والقدوة الحسنة) (5).صدورا من هاته العهد، تتصدر ( اليد السفلى) ككتابة متقومة بما سبق، وكتعبير متحزب لشرائط الصدق والواقعية..

( اليد السفلى) خلق قصصى، من نتاج الأدب العربي المعاصر في السعودية، تغطى قصته الأولى – وهي بهذا العنون، عنوان المجموعة- مساحة 130 صفحة صقلية، مضافة إليها رسوم فنية بارعة(6). تعالج القصة محورا طريقا هو ( كفالة خادم شاب، ضمن أسرة بها فتاة) إلى جانب ما تبسطه – أثناء حركة شخوصها- من مشاغل اجتماعية، وهموم حضارية، ومسارب سلوكية.. في مساحة مكانية هي البقاع المقدسة، وعلى امتداد فسحة زمانية هي ما بعد الثلاثينات من القرن العشرين.وتراني مستعرضا شخصيات القصة، لمصادرة المواقف والأبعاد، ذلك أن أحمد طفل يلقى به والده القروى المعدم في خضم ( سوق الشغل) بمكة، فيعمل متنقلا من أسرة لأسرة، إلى أن يبلغ به المطاف إلى بيت عريق- علما وثروة- فيخلص له الخدمة، مما دفع بصاحبه إلى إحاطته بالرعاية المثلى حيث أرسله إلى المدارس، ثم الجامعة، فيتخرج طبيا...

إنما الخيط المدود، كمؤشر يشدنا باتجاه العقدة  دوما هو الحب! حب أحمد لعزيزة، كريمة مخدوميه..ولعلك سائل، في شيء من الامتعاض، أي حب تعنى؟ أهو المفارقة المادية؟  وعشق اليافعين اللا أسوياء...؟ هنا تتحدد وجهة " توظيف الكلمة" وتتجمع ملامح التصور، وأنت تحاصر هذا الأثر وترصد صاحبه: تفشيا عن دلائل التقويم..أن " عيضة" – والد أحمد- مثال للأب  الفلاح الذي لا تشغله مصاعب السعي لتوفير الغذاء  عن توفير التربية القويمة لهم أيضا.. فقد مكن أحمد النافع، واللباس الواقي، لأفراد عائلته العديدين، من فرصة التعلم بالقرية، في الكتاب، كما نفث فيه من روحه الإسلامية الطاهرة، كلما سنحت له أن تحية المسجد- أي مسجد- هي أن نصلى  ودهشت لقول أبي هذا، فلقد تعلمت من قبل - هيا بنا للطواف تحية المسجد..(  وانتبهت من خواطري على صوت أبي هو يقول لى:الفرصة بذلك. قال  الطفل أحمد: ركعتين عند دخولنا إليه...وقلت ذلك لأبي، فابتسم في عطف وهو يجيبني:- هذا صحيح يا أحمد.. أن تحية المسجد هي أن تصلي فيه ركعتين أما تحية البيت الحرام فهي الطواف...)(7) وتراه – مضطرا أخاك لا بطل- حين دفع بابنه إلى ( با قيس) صديقه بمكة، ليبحث له عن عمل بمنزل ما.

فيقفز بذهنك التساؤل التالي: أليس في هذا طغيان تأثير المادة، وإهمال لحق الطفولة؟ لكن الحدة، ستتلاشى بعد سماعك هذا الحوار: ( - إنك أكبر أخوانك يا أحمد.. وأكثرهم فهما ووعيا.. واحسب أن حالنا لا تخفاك بصورة لا أجد معها داعيا لأن أشرحها لك أو أزيدك  عنها أيضاحا...)(8)  وتشير شخصية " با قيس"- الوسيط لأحمد في الشغل- إلى شهامة الصداقة، ونقاء التعارف، وتقدير الأمانة.. فهو لم يشأ أن يقيم علاقته بأحمد  - وهو التاجر- على أساس " النظرة التجارية" أنما حرص- عظيم الحرص- على وضع الطفل بموقع أمين.وفي موقع مغاير تماما. ينهض " صلاح" كرافع لواء الطبقية الاجتماعية القائمة على الاحتقار، والرغبة في الإيلام، والأنانية.أما الشيخ " عبد الحميد" فمثال المثقف  المثالي، والمؤمن الأتقى، ذلك أن المادة لم يخلق فجوة بين مسلكه العلمي- كمدرس علم بالحرم-  وبين تعامله مع خدمه، كرجل موسر. بمعنى ثان: لم يترك الشيخ عبد الحميد أي انتقاد يوجه أليه من خلال:لا تنه عن خلق وتأتي مثله                          عار عليك إذا فعلت عظيملذا كنت تجده  حاليا رفيقا، راعيا لوحيدته عزيزة ولخادمه الطفل ثم الشاب أحمد. من زاوية أخرى- وهذه صورة ثانية للعالم  الملتزم- فكما يشن بالحرم المكي حملاته الشعواء ضد الجهل، نراه أيضا يوجه عناية قصوى لرفع الأمية عن أحمد، بل قل،  ولتخريجه عالما صالحا.ومن هذا الشعور، لك أن تؤكد على " انسانية" عبد الحميدو "علميته" و " خلوص إسلامه".زمن شخصيات القصة، تعترضك الخادمة  الدادة جمعة، فتثير في الذات بعدا إسلاميا آخر ألا وهو السعى بين الآخرين بالحسنى، على أساس السمو، والحفاظ على الأعراض، فذلك أدعى لرسوخ البيوت،  واذهب لحبائل الشيطان.. الدادة جمعة لم تستثمر ما بان لها من علائق المودة، بين أحمد وعزيزة،  ولم تستغلها- لفائدتها المشبوه فيها- كما تفعل عجائز السوء، حمالات الحطب.

أن القاص الأستاذ يمانى،  يتجول بنا، بين شخوص حققت لذاتها أسباب التوافق الاجتماعي، ولن تكون غير الأخلاق العربية الفضلى، والمبادئ الإسلامية العالية، كالتعاون، ومراعاة حق الجار وذوي النعمة، والبذل السخي للغير دونما جزاء أو شكور، والإخلاص في العمل، والإيثار، وتقوى الله والالتجاء إليه ... تتجلى هاته المعاني حين مراقبة الأدوار الموزعة بأحكام، على شخصيات ثانوية بالقصة- بالإضافة إلى الرئيسة بها- أمثال: الجار تحسين، وعبد الرزاق الموظف السامي بوزارة  التعليم، والطبيب.وتبدو عزيزة- من مجموعة الشخوص- الفتاة المتعلمة: صورة لولدتها. في حسن التصرف،، والتكيف مع البيئة. ذلك أن الوالدة لم تطلق لابنتها الحبل على الغارب، كما ولم تستدع عوامل الكبت لتضييق الخناق عليها، بل سلحتها بالأدب الراقى،  والمعرفة اللائقة. ولم تقف سدا مانعا يتحدى بعنف الحوار المشروع بين الفتى والفتاة. وغير عجيب، إذن، أن تلتزم الحدود.  ولا تظنن أن عزيزة مجردة من الإحساسات العاطفية، فقد بلغت  بها الميول  حدا أطاح بالقلب على فراش الوهن، بل سلطت الإرادة على قمع النزوات حتى يحين الأوان، وعدلت من الاهتزازات، كي لا تسرع بها نحو الاتصال الجسدي، فهي رمز المحبة العفيفة، والأمل الباسم، والتفاؤل العريض، وحرب على العزل المنحرف.تقول لأحمد، يوم حصوله على الثانوية: ( مبروك يا أحمد .. ألف مبروك).كانت عزيزة هي التي نطقت بالجملة الأخيرة، وفرحة صادقة تطل من عينيها الجميلتين وبدون شعور.. تناولت يدي عزيزة بيدي  وضغطت عليهما في حرارة، ثم انتبهت لموقفي فسحبت يدي في الحال  وأنا أشعر  بالخجل الشديد، وأؤنب نفسي على المدى الذي ذهبت إليه في التعبير عن فرحتي.. كان وجه عزيزة قد تضرج بحمرة شديدة، فأطرقت في خجل، إذ لم يحدث قبلا ( كذا) أن أمسكنها من يديها بتلك الطريقة.. ولاحظت  عزيزة ما اعترانى من ارتباك شديد فمدت يدها، عبر والدتها، وتناولت يدي الباردة بيدها وضغطت عليها بعطف وهي تهمس:- مبروك يا أحمد مرة أخرى. ألف مبروك)(9)وحين أختى السابان، أسر أحمد لها، مبررا هذا التصرف المربك:(- فقط،، أردت،، أن أعذر..- تعتذر؟.. عن أيش؟- عن.. عن الذي حدث اليوم- وماذا حدث اليوم؟...- والله العظيم يا عمتي ( يقصد مخدومته) لم أكن أقصد شيئا.. والله العظيم،، كل ما في الأمر أنني شعرت..فابتسمت عزيزة وقاطعتني قائلة:- وايش صار؟ أيش صار؟،، لا عليك يا أحمد،، إنما الأعمال بالنيات كما تعلم،، وأن لكل امرئ ما نوى .. كده وإلا لا؟.، إنني أحس  بمشاعرك الأخوية نحوي يا أحمد،، فلا تهتم لشيء)(10).

- من مثل هذا الموقف استحضر الآن الوظيف البطولي.. بجلاء، بدأ أحمد قمة الوعي الغائي من الوجود الإنساني، والحضور الاجتماعي، لقد أحس- عن إدارك- بالبعد الزكى من وراء خدمة الغير  بحثا عن النفع الشامل، كما شعر- عن فقه- بثقل المسؤولية فنحملها، راعيا لحقوقها، بكل  ما لديه من قوة عقيدة، بعيدا عن اللهاث في أثر المتع والشهوات، غير القوت القلبى.! ولن ينجح بك الخيال فترى أحمد ملاكا سماويا، أو شابا متبلد محروما من الحاسة الجمالية..! كلا، ثم كلا، فأحمد بشر سليم الحساسية رهيفها، جيد الإحساسات الوجدانية، خفاق القلب أمام كل ما هو رائع وجميل..! على أن البديع في شخصيته:رفعة همته، وثباته على مغالبة النفس الأمارة بالسوء، وصلابة قراره، أن أحمد يسبح بعواطفه فى عالم، تحبسه صوفيا، بغية بلوغ شاطئ الأمان.. وفعلا، تجسم ذلك في الزواج الهانىء.لك أن تلمح جريان ( اليد السفلى) في مستوى، وكأنه مستوى ( السير الذاتية) ! غير أنك لا تلقى القرائن الكفيلة بالبرهنة على ذلك، فحين تسرح  النظر في( أيام) طه حسين- مثلا- نلحظ العناية المعتمد باستقطاب مجريات الأحداث، قصد محورتها حول ( الأنا) بأسلوب ( اعترافي). في  اليد السفلى) يغيب هذا الملحظ، وإلا فلماذا لم يقع استنطاق السنوات  السبع التي قضاها  ( البطل) في القاهرة؟ ثم لماذا يعامل أشخاص النص- على امتداد الساحة- برحابة فكر، كي يدللوا على حضورهم الفعال؟ وهم بصنيعهم ذاك ينهجون بالحادثات نحو التموضع المتمكن لرفد منطقة الجذب المحوري: رصدا لعلاقة البطولة الثنائية الطرف ( أحمد، عزيزة) مما متن حبل القصة، وأعطاها الجدة والطلاوة، بقدر قد يفوق ما بـ ( المذكرات الذاتية).أن الأديب أن هذا هو رد الفعل الواجب اتخاذه قدام كثافة الإنتاج القصصي الزاحف باتجاه ( الحب الزيف- الحب الرذيلة) بل ازعم أن هذا هو الوضع الطبيعي لما ينبغي أن يكون عليه أدبنا..

فقد آن الحين، لنعلنها مدوية: كفى جنسا مبتذلا يا سادة القصة..!ولا يفوتني هنا، إلا أن أسجل بعض ما أصاب ( اليد السفلى) من لحن إنشائى- وأن لم يطغ ذاك على بهاء اللغة المسيرة، من ذلك مجيء ( ما) دخيلة على هذه التركيب ( الفارق ما بين العمل واللعب- ص46) وسقوط ألف كان، في ( ولما  كنت تلك أول ليلة لى في مكة- ص125) وتعويض من، بعلى، في : ( آه على شعرها ذاك الطويل المسترسل!- ص 44) فالمقام مقام تعجب! ومثل  هذا تنقيص ( يده) من: ( وفي بسط الباب حلقة معدنية صدئة مد الرجل إليها وراح يقرع الباب بها بقوة- ص 27). أخيرا، قال الكاتب: ( ووقف الشيخ صلاح يحدق بى مستغربا- ص 30) وفي مختار الصحاح: حدقوا به، وأحدقوبه- أحاطوا به. والتحديق: شدة النظر، لذا حدق إليه: حدد النظر إليه، حدقه: نظر إليه. ومن هنا وحب التصحيح.وكما افتتحت، آمل – كقارئ عربي مسلم- فذلك مثل هذا الإنتاج القصصي، أنشاء وتوزيعا، فذلك من احتياجات المرحلة، مرحلة التحديات الثقافية.. وتحية عطرة- من الأعماق- لقصاصنا الأصيل محمد عبده يمانى .ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  ( اليد السفلى) مجموعة قصصية للدكتور محمد عبده يمانى، صدرت طبعتها الأولى سنة 1399هـ 1979م، عن ( المطابع الأهلية بالرياض) في 309 صفحة.(2)  انظر مقدمة ( اليد السفلى).(3)  دليل الوفود الإعلامية للحج، د. محمد عبده يمانى صفحة 6.(4)  نفس المرجع، ص 7(5)  نفس المرجع، ص 7.(6)  ثانية القصص بالمجموعة وآخرها: " مشرد بلا خطيئة" أؤجل النظر فيها إلى فرصة قادمة(7)  اليد السفلى، ص 14.(8) اليد السفلى، ص 20.(9)  اليد السفلى، ص 68.(10)  اليد السفلى، ص 71.

الخوف من الفجوة
تهاويل
بيوتنا والحاجة الى الحب